القواعد القرآنية للمجتمع التوحيدي// ج5

القواعد القرآنية للمجتمع التوحيدي// ج5

Linkedin
Google plus
whatsapp
فبراير 15, 2025 | 9:58 ص

ــ الشيخ طالب رحمة الساعدي ..

 

رحلة تدبّرية مع خطاب ” ايها الذين امنوا …..” في مضان بعض التفاسير

القاعدة الثالثة : الاستعانة بالله تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اسْتَعينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرينَ ” البقرة : 153

والتفصيل في بيان هذه القاعدة ،كالتالي :

اولا: روح الاستعانة هي العبادة .

الاستعانة و هي طلب العون إنما يتم فيما لا يقوى الإنسان عليه وحده من المهمات و النوازل، و إذ لا معين في الحقيقة إلا الله سبحانه.

وقريب منه ما ذكره العارف الكبير السيد السبزواري في تفسيره ،

وبعبارة كلامية ، ان من خصائص ممكن الوجود هو الاحتياج فانه لازمه ، بل لا يمكن انفكاكهما – حدوثاً وبقاءً – ، وقد يُعبر عن هذه الخاصية بـ” الامكان الفقري” ، ومن هنا حُصرت الاستعانة به تبارك وتعالى بقوله ” اياك نستعين ” ، فهذا الاحتياج واللجو ما هو الا عبارة ثانية للعبادة للحق تعالى

و الإنسان المستعين حقّا، هو الذي تتضاءل أمام عينيه كلّ القوى المتجبّرة المتغطرسة. و كل الجواذب المادية الخادعة، و ذلك ما لا يكون إلّا حينما يرتفع الإنسان إلى مستوى القول: إِنَّ صَلاتِي وَ نُسُكِي وَ مَحْيايَ وَ مَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ‏ .

ثانيا: مصاديق الاستعانة .

في النصوص المباركة ذكرٌ لأبرز مصاديق العبودية والاستعانة ، وهي :

1- الصبر

«الصّبر» لا يعني تحمل الشقاء و قبول الذلة و الاستسلام للعوامل الخارجية، بل الصبر يعني المقاومة و الثبات أمام جميع المشاكل و الحوادث.

لذلك قال علماء الأخلاق إن الصبر على ثلاث شعب:

الصبر على الطّاعة: أي المقاومة أمام المشاكل التي تعتري طريق الطاعة.

الصبر على المعصية: أي الثبات أمام دوافع الشهوات العادية و ارتكاب المعصية.

الصبر على المصيبة: أي الصمود أمام الحوادث المرّة و عدم الانهيار و ترك الجزع و الفزع.

قلّما كرر القرآن موضوعا و أكد عليه كموضوع «الصبر»، ففي سبعين موضعا قرآنيا تقريبا دار الحديث عن الصبر. بينها عشرة تختص بالنّبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم.

تاريخ العظماء يؤكد أن أحد عوامل انتصارهم- بل أهمها- صبرهم و استقامتهم. و الأفراد الفاقدون لهذه الصفة سرعان ما ينهزمون و ينهارون. و يمكن القول أن دور هذا العامل في تقدم الأفراد و المجتمعات يفوق دور الإمكانات و الكفاءات و الذكاء و نظائرها.

من هنا طرح القرآن هذا الموضوع بعبارات مؤكدة كقوله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ‏ و في موضع آخر يقول سبحانه بعد أن ذكر الصبر أمام الحوادث: فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ من خصائص الصبر أن بقية الفضائل لا يكون لها قيمة بدونه، لأن السند و الرصيد في جميعها هو الصبر، لذلك‏ يقول أمير المؤمنين علي عليه السّلام: «و عليكم بالصّبر فإنّ الصّبر من الإيمان كالرّأس من الجسد، و لا خير في جسد لا رأس معه و لا في إيمان لا صبر معه» .

الروايات الإسلامية ذكرت أن أسمى مراحل الصبر ضبط النفس تتجلّى في مقاومة الإنسان عند توفّر وسائل المعاصي و الذنوب.

الآية التي يدور حولها بحثنا تؤكد للجماعة المسلمة الثائرة في صدر الإسلام خاصة أن الأعداء يحيطونهم من كل حدب و صوب، و تأمرهم أن يستعينوا بالصبر أمام الحوادث، فنتيجة ذلك استقلال الشخصية و الاعتماد على النفس و الثّقة بالذات في كنف الإيمان باللّه. و تاريخ الإسلام يشهد بوضوح أن هذا الأصل كان أساس كل الانتصارات.

2- الصلاة

الموضوع الآخر الذي أكدت عليه الآية أعلاه باعتباره السند الهام إلى جانب الصبر هو «الصلاة».

و روي أن عليّا عليه السّلام: «كان إذا أهاله أمر فزع قام إلى الصّلاة ثمّ تلا هذه الآية: اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ … .

و لا عجب في ذلك، فالإنسان حين يرى نفسه أمام عواصف المشاكل المضنية، و يحسّ بضعفه في مواجهتها، يحتاج إلى سند قوي لا متناه يعتمد عليه.

و الصلاة تحقق الارتباط بهذا السند، و تخلق الطمأنينة الروحية اللازمة لمواجهة التحديات.

فالآية أعلاه تطرح مبدأين هامّين: الأوّل- الاعتماد على اللّه، و مظهره الصلاة، و الآخر- الاعتماد على النفس، و هو الذي عبرت عنه الآية بالصبر.

ثالثا: نتيجة الاستعانة بالله هي الفلاح .

والمراد من الفلاح هو ” الفلح: الشق و القطع. و أصل الفلاح الظفر بالمقصود و الفوز بالمطلوب بعد الكد و الاجتهاد فكأنه قد قطع المصاعب حتّى نال مقصوده و لا يطلق إلّا في الخير، فالمفلحون هم الذين أدركوا و أمنوا مما منه فزعوا في الدنيا و الآخرة كما هو مقتضى الإطلاق.”

وقد جُعل الفلاح نتيجة لعدة اعمال يمكن لأحاد المجتمع الاسلامي القيام بها في حياتهم اليومية ، وقد عده بعض المفسرين بانه نتيجة لبرنامج عملي يتكون من عدة خطوات قد ذكرتها آيات مختلفة من القران الكريم ، اي ان جميع ذلك من اسباب الفلاح بل لا فلاح إلّا بذلك. و انما ذكر «لعل» بداعي الترغيب الى ذلك بحسب أذهان المخاطبين.