الفضل ما شهدت به الأعداء
🖋️ مالك العظماوي ..
ونحن نعيش في هذه الليالي الكئيبة والأيام الحزينة برحاب الذكرى الأليمة لإستشهاد إمام الموحدين وقائد الغر المحجلين وسيد البلغاء والمتكلمين، الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام.
هذا الرجل الذي شغل الدنيا منذ ولادته حتى يوم إستشهاده، بما له من كرامات وفضائل أعترف بها الأعداء قبل الأصدقاء والكافرون قبل المسلمون والأبعدون قبل الأقربون. لم يجد الأعداء مثلبة بالرجل ليذموه فوجدوا أنفسهم يمدحوه! كان غريباً بكل شيء، فقد ولد في بيت الله – في سابقة لم تحدث لأحد قبله ولا بعده – واستشهد في بيت الله – صائما، ساجدا وذاكرا – ولولا إنشغاله بذكر الله سبحانه وذوبانه في ذكره تعالى وخشوعه بسجوده، لِما تجرأ أحد قط أن يمس منه شيئاً قيد إنملة.
فقد كان – سلام الله عليه – عابدا، رحيما، شجاعا، كريما، عادلا، وفقيها. وكل ما نعرفه عنه هو مما ذكره القرآن الكريم ومما جاء عن نبي الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم، ولم نأت بشيء من عند أنفسنا، ولا تربطنا صلة قرابة بالرجل، ولا تعصب أو إنحياز، وإنما وجدناه حبلاً متيناً وعروةً وثقى وإيماناً راسخاً وميزان حقٍ وصلةً خالصةً لله تعالى. وعبر عنه القرآن الكريم في مواطن عديدة، كقوله سبحانه: [إِنَّمَا وَلِیُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥ وَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱلَّذِینَ یُقِیمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَیُؤۡتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُمۡ رَ ٰكِعُونَ] الذي لا يختلف المسلمون بأن هذه الآية نزلت بحقه بعد أن تصدق بخاتمه وهو راكعاً.
وقوله تبارك وتعالى: [فَمَنۡ حَاۤجَّكَ فِیهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَكَ مِنَ ٱلۡعِلۡمِ فَقُلۡ تَعَالَوۡا۟ نَدۡعُ أَبۡنَاۤءَنَا وَأَبۡنَاۤءَكُمۡ وَنِسَاۤءَنَا وَنِسَاۤءَكُمۡ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمۡ ثُمَّ نَبۡتَهِلۡ فَنَجۡعَل لَّعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلۡكَـٰذِبِینَ] وقد عبر عنه القرآن بأنه كنفس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما ونزلت سورة الإنسان كاملة في حقه وحق أهل بيته عليهم السلام، وغيرها من المواقف كمبيته في فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وآية إتمام الدين، وآية {أَجَعَلۡتُمۡ سِقَایَةَ ٱلۡحَاۤجِّ} .. وغيرها كثير.
ومن أسمائه عليه السلام، بأنه الفاروق الأعظم، وهذا الإسم من الأسماء المميزة إلى يومنا هذا، فهو الفاروق بين الجنة والنار، والكافر والمسلم، والمؤمن والمنافق، والإيمان والشرك، والإنسانية والهمجية، والرب والأصنام، والزهد وحب الدنيا. كما إنه فاروق بين من يسير بنهجه ومن خالفه، والمخالفون ليس بالضرورة أن يكونوا من شانئيه ومبغضيه بل حتى ممن يدعون بأنهم يسيرون على نهجه ومنهجه – وهو منهم براء – فكثيرون هؤلاء الذين يرفعون شعار علي، وهم يتكالبون على حطام الدنيا وحب الشهوات والمناصب، وأساءوا لإسمه (عليه السلام) والى أتباعه وارتموا بأحضان الأجنبي وأعداء الدين من أجل أن يحصلوا على مكاسب ومناصب على حساب دينهم ومنهج علي القويم! فكم من مدعٍ يتظاهر بالإصلاح والسير على نهج علي وهو كاذب أفاك، اتضحت نواياه وبدت أفعاله لا تشابه أقواله. فما أحوجنا إليك أيها الرجل العظيم الذي لا يدانيه بالفضل أحد من الأولين والآخرين بعد رسول رب العالمين صلى الله عليه وآله أجمعين.
…