الازمة الحالية وغياب افق الحل
ــ عبد الخالق الفلاح ..
من غير الواضح كيف سيتم الخروج من الأزمة الحالية اوالمأزق التي جنحت على صدور العراقيين وعدم وجود بوادر للحل من قبل من هم يقود العملية السياسية بكل أشكالها والخلافات بين الشعب والسلطة لا تتمحور فقط للمطالبة بإصلاح حال الدولة، إنما في انعدام الثقة في القيادات السابقة والحالية و الفواعل السياسية متناقضة ومتباينة في الرؤى تجاه بناء الدولة، وما تم وضعه من إطار دستوريه ” الذي هو ايضاً اشتمل على عدد كبير من المغالطات والهنات فضلا عن قابلية نصوصه للتأويل المفرط، وبالتالي جرت العادة أن من يملك القوة في لحظة التأويل، هو القادر على فرض تأويله على الجميع بغض النظر عن مدى صحة ذلك التأويل. ولم يكن في مواضع عدة متسقا مع أبسط قواعد الفقه الدستوري” لبناء الدولة العراقية و لم يسهم في حل المعضلة، بل زاد في تعقيد ما موجود، كونه أوجد معضلات أخرى متعلقة بعضها بعدم بيان معالم الهوية العراقية وطبيعة النظام السياسي ومن الممكن إن تكررت نفس الوجوه مستقبلاً في ادارة الدولة و عدم اليقين بشأن ما تؤول إليه الأحداث الحالية والمستقبلية و يعاني العراق من أزمة في النظام السياسي تحول دون استقراره وتعريف مصالحه والقيام بوظائفه كنظام سياسي، فمن الأساسيات المفترضة للنظم السياسية بعامة، وجوب امتلاكها لأدوات تضمن لها التكيف مع المواقف الطارئة، وتمكنها من إيجاد الحلول الناجعة لمواجهة تلك المواقف، وتمنح الأنظمة القدرة على الإستمرار، ومنع أي تداعيات من إرباك النظام و فواعله الرئيسيين.
في ضوء المخرجات والاستنتاجات الحالية ستبقى التحديات ألاساسية قائمةً على الأرجح لفترة من الزمن في غياب الإرادة السياسية لمعالجتها ومبادرة حوار وطني فعال لدرء الاخطار الغير متوقعة ، رغم أنه يبدو من الممارسات الراهنة أنه ما لم يحدث تغيير ملموس في سلوك جميع الأطراف وتساهم في تحسين حياة الأفراد بشكل ملموس وتقديم التنازلات لصالح ابناء الشعب او حينما يقدّم سياسيوه تنازلاتٍ استثنائيةً عما يعتقدونه حقوقا لهم، مقدِمينَ مصالحَ البلد على مصالحهم، لكن مثل هذا الاستعداد للتنازل والاعتراف بالفشل غائب حاليا وغير منظور في حساباتهم، أما بسبب عدم إدراكِهم المخاطرَ المحدقةَ بالبلد، وهذا محتمل او لان معظمهم يفتقر إلى الكفائة السياسية والخبرة الإدارية، فمن المؤكد أن الأمور ستنتهي على نحو سيء، والرهانات على الاستعصاء أعلى من أي وقت مضى بالنسبة لجميع الأطراف ، دون التوصل إلى اتفاق حول القواعد الدستورية والقانونية للعملية السياسية، أن المساومات السياسية التي أعقبت التغيير في 2003 لم تُفضي إلى توزيعٍ عادل ومتفق عليه للسلطة، والأرض والموارد في أحيان كثيرة تكشف الأرقام عن اضواء يساعد على رؤية حقيقة ما تعرض له هذا البلد من هدر لموارده المالية خلال السنوات المنصرمة حيث تفجرت ينابيع نفطه لتتحول إلى موارد مالية متراكمة في خزائنه الداخلية والخارجية التي تبخرت بسرعات جنونية، واختفت في ثنايا الفساد المالي، والإداري، والمشاريع الوهمية، والصراع المحموم لنيل أقصى ما يمكن من غنائم ذلك المال الذي أصبح سائبًا، فكان سببًا هذا لتعلم ضعفاء النفوس كيفية سرقته، وبطرق مذهلة، التي اصبحت في مهب الريح فإنها لم تنجح في معالجة الاوضاع المتردية ولا يمكن لها الاصلاح في القادم و إلى جانب تشكيل حكومة فعالة وقوية بهدف تحقيق العلاقة الاستراتيجية طويلة الأمد ” والحفاظ على الهوية والشرعية والتأثير والمشاركة والاندماج والتوزع داخل العراق” .
ولا تكاد المكونات السياسية العراق المختلفة تتجاوز أزمة أو تتوصل إلى تسوية بصدد استحقاقات تتفق عليها ، حتى تتعثر مجدداً وتمضي بالبلد خطوات حثيثة على طريق الفراغ الدستوري وتعطيل المؤسسات والغرق أكثر فأكثر في وضعية الازمات، والفشل على مستوى تفعيل المؤسسات الدستورية وقيامها على تشكيل حكومة بما يوكل إليها من مهام .
لا شك أن ديمومة أزمات العراق نتاج طبيعي لهيمنة روح التربص، وتراكمات نتيجة تدوير الأزمات دون حلها، فمع كل حادث تزداد الجراح عمقاً بحيث تم استنهاض كل الأزمات الداخلية من أجل تعزيز حالة التمزق مجتمعياً، وتصاعد المخططات الرامية لإذكاء روح التناحر والتباغض في غياب رؤية واضحة في كيفية بناء حياة سياسية عراقية وخطوات جادة نحو توحيد الأهداف والتأسيس لرؤية مشتركة، حيث يلاحظ تقصير من قبل الجميع في بناء جبهة اجتماعية رصينة، وهو ما ساهم في تزايد التدخلات التي وجدت الساحة فارغة وسهلة لتقوية شوكتها والممارسات الخاطئة السياسية الغير الطبيعية أثرت على نحو كبير في الاخراج النهائي للدستور من الساحة وعدم ديمومته و تعزيزه وترسيخه.